أعتذر عن عنوان المقال، لكني لم أجد عنوان يعبر عن ما سيحدث غير هذا، لقد ترددت طيلة ثمانية أشهر في كتابه هذا المقال، حتى واتتني الشجاعة لأكتب معظم ما لدي هنا، وأعلم أن صفحتي هذه ليست بذا الشأن المؤثر، ولكن شيء في صدري يدفعني لإطلاق صفير الإنذار لمن أراد أن يسمعه، وإن كان قادة الدول هم أولي بأن ينتبهوا لما يلي من سطور ويتباحثون المستقبل القريب مع خبراءهم الاقتصاديين.
يناير- كانون الثاني- 2023 الموافق جمادى الآخرة 1444، هذا هو التاريخ الذي سيتضح معه مدى تخاذل العالم عن مواجهة انهيارات مرعبة في اصعده كثيرة تبدأ باقتصاد عالمي مُتَقَعِّر مُتَعثر ويكاد يكون متوقف.أكتب عن هذه الفترة اليوم سبتمبر 2021 الموفق محرم 1443، فلدينا جميعاً وقت كافي لتخفيف تأثير ما سيحدث في المستقبل الذي أصبح قريب. وقبل أن أسرد تفاصل ما قد يحدث مع حلول هذا التاريخ، فإني أؤكد على نقطتين:
الأولي: أني لست بعرّاف أو مُشعوذ يقرأ المستقبل ويُخيِف الناس ليجني الشهرة أو الأموال، إن ما سأوضحه هنا هو النتيجة الطبيعية للدورات الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن، وهو مبني على مبادئ علمية واستقرأت تاريخية.
الثانية: على الرغم من صعوبة الموقف إلا أن تلك الأزمة يمكن تفاديها أو تخفيف آثرها إذا بداء الجميع من الآن "وهذا ما قامت به بعض الدول الكبرى"
ولتعرف ماذا سيحدث، فيجب عليَّ أولا أن أصف لك ما الذي يحدث الآن وكيف يراه الاقتصاديون، وكيف يتكهنون بالقادم.
لا شك أنك تلاحظ ارتفاع الأسعار في كل شيء وفي كل العالم خاصة في الآونة الأخيرة، وبشكل عام فإن ظاهرة ارتفاع الأسعار (التضخم Inflation) ظاهرة صحية للاقتصاد بشكل عام بشرط أن يوافقه زيادة في الإنتاج ونقص في معدلات البطالة ونمو تكنووجي مُتَوَاتِر. هذا ما نعتبره اقتصاد صحي مُتَنَامي ومُستدام.
وبناء على ذلك يكون ارتفاع الأسعار (التضخم Inflation) أمر منطقي، فكل شيء ينمو بشكل متوازن، ولا يوجد شيء يرتفع على حساب شيء آخر. ونتيجة ذلك أن يرتفع دخل الفرد ومستوي المعيشة وتتزايد معدلات النمو.
إي خلل في هذه العوامل الثلاثة (زيادة الإنتاج - نقص البطالة - التقدم التكنولوجي) مع استمرار زيادة الأسعار، يؤدي إلى تدهور الاقتصاد. وهو الأمر الذي يحدث بشكل مستمر على مر السنين ويسعى الخبراء لتوقعه، وتتحرك الحكومات والبنوك المركزية لتقليل تأثيره، حتى يستعيد الاقتصاد نهوضه، وهكذا يظل الاقتصاد في صعود وهبوط صانعاً موجات من قمم وقيعان على مر الأيام كما بالشكل التالي:
عادة ما نطلق على فترات هبوط الاقتصاد بالركود Recession وهو حالة من الهبوط للأداء الاقتصادي لمدة لا تتعدى ستة أشهر، وهو أمر يعتبر صحي، حيث يمثل ذلك الهبوط استراحة للأسواق تهدأ فيها الأسعار والإنتاج كي تستعد وترتفع من جديد. في حين إذا استمر الهبوط لعامين أو أكثر فإن الوضع يصبح أكثر تشاؤم وهو ما نطلق عليه اسم الكساد Depression حيث يصعب علاج الأمور، كما حدث في الكساد الكبير عام 1923.
فالعادة جرت على أن حالة الركود أو الكساد يقل معه الإنتاج وتزداد البطالة وتنخفض تمويل المشروعات التكنولوجية مع هبوط نسبي في الأسعار لمحاولة جذب المستهلك وزيادة معدلات الأنفاق. أما ما يحدث الآن فأمر أكثر قسوة لا يكاد الاقتصاديون يجدون له حل في نظرياتهم، إنه ما نطلق عليه اسم التضخم المصحوب بالركود StagInflation، وهو حالة من الارتفاع المبالغ فيه للأسعار يصحبه بطء (أو يكاد يكون توقف) في حركة البيع والشراء، حيث إن المستهلكين لا يرتضون هذه الأسعار ويفضلون الإبقاء على ما لديهم من الأموال خوفاً من ارتفاع الأسعار أكثر في المستقبل خُصُوصًا مع الارتفاع المتزايد في نسبة البطالة.
ويظل الأمر هكذا، فالمنتجون يرفعون اَلْأَسْعَار ولا أحد يشتري إلي أن يكاد الإنتاج أن توقف أو يتوقف بالفعل، حيث إن المخازن ممتلئة بالبضائع التي لا تباع، ويرفع المنتجون الأسعار لتغطية تكلفة المخازن التي ارتفعت مع الوقت، ويظل الركود يخيم على الناس خوفاً من ارتفاع الأسعار أكثر في المستقبل فلا يشترون إلا الضروري، ويبدأ المنتجون في تقليل ساعات العمل وربما تسرح العمالة في مراحل متقدمة فتزداد معدلات البطالة مع ارتفاع الأسعار.
أمام سيناريو مثل هذا يقف جميع علماء الاقتصاد بكل نظرياتهم مكتوفي الأيدي، فأي تدخل حكومي بزيادة الأنفاق أوالضرائب أو تصحيح أسعار الفائدة قد يزيد الأمر سوء، الحقيقة لا يوجد نظرية اقتصادية استطاعت أن تضع أسس علاج لسيناريو التضخم المصحوب بالركود StagInflation. والحقيقة الأكثر رُعْبًا أن هذا ما نعيشه الآن ومنذ سبتمبر 2019 على مستوى العالم كله، ليتفاقم بعدها أزمة Covid 19 في مارس 2020 وكأنها أتت لتساعد في تسارع الأمر.
ونتيجة ذلك مروعة، فنقص الإنتاج الزراعي إلى سيسببه توجه العمالة إلى المدن بحثاً عن دخل أفضل، سيؤدي إلى حرص التجار على تخزين البضائع في انتظار ارتفاع الأسعار أكثر مما سينشر الجوع وبالتالي السرقات والجرائم، وربما يؤل الحال بالناس إلى أكل أي شيء حتى لو كانت لحوم البشر كما حدث عام 1921.
لا تدفئة، لا مأوى، لا طعام، ولا يكاد يكون هناك حل يخرج الأرض من محنتها، فأعلب هذه الأزمات في التاريخ لم تحل حلول جذرية سريعة، ويبدو أن هذا هو حال الأرض منذ القِدم، فالتاريخ يرصد تكرار هذا السيناريو منذ الطوفان الكبير، والتي تتكرر في مختلف العصور بأشكال مختلفة، وكل مرة يكون الأمر أصعب من سابقاها، رغم التطور الذي يصل إليه الإنسان.
هل من حل؟
لا يمكن إيقاف الدورات الاقتصادية عن الصعود والهبوط، فهذه سنة الحياة، ولكن يمكن أن نخفف من تأثير ما سيحدث بالاستعداد له، ولكن هذا الاستعداد لا بد أن يعانقه تكاتف الجميع لحل الأزمة والعمل على ذلك، وأقصد بالجميع هنا كل العالم وكل الدول والقيادات، بل والأفراد والشعوب، فمن يظن أنه يستطيع النجاة وحده، لم يتفهم الوضع بعد بل سيهلك ويُهلك.
من قراءة تاريخ الأزمات يمكننا أن نستنبط بعض التجهيزات التي يمكن أن تأخذ حيز التنفيذ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- نشر المُصالحة والسلام والتعاون بين الجميع ووقف كل أشكال الحروب، فالحرب تستنزف الثروات والأموال، وهذا ما دفع الولايات المتحدة للخروج سريعاً من أفغانستان.
- تنمية الزراعة ورفع أجور العاملين بالقطاع الزراعي وتنمية الثروات المائية والري، وإنشاء نظم مركزية لرصد حركة الإنتاج الزراعي والحيواني، بداء من الإنتاج مروراً بالنقل والتخزين إلى منفذ البيع، مع الحفاظ على نسبة مدروسة للتخزين متوسط وطويل الأجل.
- السعي لخفض الأسعار خلال عام 2022 على جميع الأصعدة والقطاعات مع الحفاظ على معدل الإنتاج، فهذا من شأنه عكس الدورة الاقتصادية، فَبَدَلاً من مواجهة انهيار عنيف في 2023، سينعكس الوضع وينمو الاقتصاد بعد هبوط (يمكنك أن تصفه بالمصطنع أو المقصود). أي نحتاج إلى هبوط المؤشرات العالمية إلى مستويات طبيعية وانخفاض أسعار السلع مع انتظام معدل الإنتاج وانخفاض معدلات البطالة خلال 2022.
- الاهتمام بالدعم والتمويل التكنولوجي الذي يهدف الت توفير الطاقة وتطوير اليد العاملة واستحداث مهن جديدة وتسهيل فرص التعلم والارتقاء المهني.
وأخيراً نرجو السلامة لكل أنسان خلقه الله ، ولن تأتي السلامة إلا بالبر والتعاون والعدل
8 Comments
بداية تسلم ايدك وفكرك علي اصدار هذا المجهود المحترم .. لكن انا قرأت المقال كله . وكان اخره نصائح عامه لاصلاح اي اقتصاد وتفادي اي كياد وهكذا ولم اجد الموضوع اللي حضرتك كتبت بسببه المقال ! اين الانهيار ووالخ ؟!
ReplyDeleteلا داعي الى تكرار التعليق ... سوف يظهر تعليقك بمجرد موافقة الأدمن عليه.
Deleteواضح من تعليقك انك لم تقراء المقال ، لكنك مررت عليه مرور الكرام ... اجابة على سؤالك اين الأنهيار ... اقراء الفقرات
الثلاثة بعد الصورة
نشترى كتاب أساليب جان منين؟
Deleteدار الكتب العلمية للنشر و التوزيع القاهرة شارع الشيخ ريحان
Deleteدكتور كيف احصل على كتاب اساليب جان للتداول في اسواق المال لو سمحت
ReplyDeleteدار الكتب العلمية للنشر و التوزيع القاهرة شارع الشيخ ريحان
Deleteمقال مهم جداً... شكراً جزيلاً على كل المعلومات الواردة فيه.
ReplyDeleteسؤالي هو هل من نصائح على مستوى الافراد؟ كيف يمكن التعامل مع الوضع والاستعداد له على المستوى الشخصي؟ كيف يمكن الخروج من الازمة باقل الاخسائر الممكنة والحفاظ على المدخرات؟
للاسف مع هذا النوع من التضخم عمل الدولة اوقع من الافراد ، كل ما يمكن ان انصح به انه لا حاجة لشراء ما لا فائدة منه ، قد يساعد المال بعض الشئ و لكن ليس بشكل كبير ، حتي اقتناء الاصول مثل الذهب او الاراضي لن يكون ذو فائدة كبيرة ، و لكن ما يمكن ان يفيد بالفعل هو التجارة و خاصة في السلع الضرورية
DeleteIt is important for me to know your opinion in this contact.
please feel free to contact me, If you have any questions about this article or any further questions.